الجمعة، 30 سبتمبر 2016

حكمة المولدين في قولهم: (الذاتي) وخطأ اللغويين:

حكمة المولدين في قولهم: (الذاتي) وخطأ اللغويين:

يُخطِّئ اللغويون قول القائلين في النسب إلى الذات: ذاتي، ويصفونه باللحن، والصواب عندهم: ذَوَوِيٌّ؛ لأن الأصل في اشتقاق ذات: ذو، ويُفرَّق بين المذكر والمؤنث، فيقال: زيد ذو مال وهندٌ ذاتُ مالٍ، فلمّا أُنّثت بتاء التأنيث قلبت الواو ألفا، فقالوا: ذات ولم يقولوا ذوت، وينسب إليها بحذف التاء، ثمّ ردّ لام الكلمة المحذوفة، وهي ألف، بدليل قولهم في التثنية: (ذواتا)، ثمّ تقلب ألفها واوا، فيقال في النسب إليها: ذَوَوِيّ.
ولكنّ المولدين العباسيين ومن جاء بعدهم ولّدوا منها (الذات بمعنى النفس أو الحقيقة) ونسبوا إليها على ظاهرها، دون تغيير، فقالوا: ذاتيّ، والصفات الذاتية، وهذا الاستعمال المولد دائر على ألسنة المتكلمين والأصوليين والفقهاء وعلماء اللغة المتأخرين، وحكم عليهم اللغويون بالتخطئة، قال ابن سيده في المحكم: الإضافة إلى ذات: ذَوَوِيٌّ ولا يجوز في ذات ذاتِيّ؛ لأنّ ياءَ النَّسب مُعاقِبةٌ لتاء التّأنيث. انتهى. ومثله قول ابن الدهان والفيومي والدماميني والصفدي وغيرهم، وهم لا يفرقون بين ذات مؤنث ذو والذات بمعنى النفس والحقيقة! وقال الأزهري في التصريح: "وقول المتكلمين في علم الأصول الدينية في النسبة إلى ذات (ذاتيّ) لحن، لأنه يُعدل بالكلام عن الصواب، وصوابها: ذَوَويّ، بحذف التاء، وهذا مبنيٌّ على أن ذاتي نسبة إلى (ذات) لغة، وهم لا يقولون ذلك، يقصد العرب الأقحاح.
أقول: أرى الحاجة إلى التفريق في النسب بين (ذات) مؤنث ذو و(ذات) الدالة على النفس أو الهوية أو الشخصية، بمعناها المولد الوارد في كلام المولدين، وهو أيضا في كلام بعض العلماء، ومنهم ابن فارس في قوله في المقاييس في مادة (وجه): "ربَّما عُبِّر عن الذات بالوَجْه" وأبو هلال العسكري في قوله في الفروق: "الفرق بين الذات والروح والمهجة والنفس، وابن الأثير في قوله في المرصّع: ذات الله، عز وجل، وابن عرفه في قوله في الحدود: "وكذا إذا أقسَمَ بالذّات ووصفها بصفات".. فالذات هنا مختلفة قليلا عن ذات مؤنث ذو، فهي عندهم علم أو اسم للنفس أو الحقيقة أو كُنْه الشيء.
ولذا أرى أن يفرق في النسب بين (ذات) مؤنث ذو و(الذات) بمعنى النفس أو الحقيقة، كما يأتي:
        1-      أن ينسب إلى (ذات) مؤنث ذو: (ذَوَويّ) على القياس المذكور في كتب النحاة.
        2-      أن ينسب إلى (الذات) العلم على النفس أو الحقيقة: (ذاتيّ) دون تغيير؛ لسببين، الأول: أن التاء في الذات غدت جزءًا من الكلمة، والثاني:  ضرورة التفريق بين ذات مؤنث ذو والذات بمعنى النفس أو الحقيقة، فإن ظاهر القياس في هاتين أن يقال فيهما: ذوويّ، وفي هذا إلباس ظاهر، تجنّبه المولدون بالنسب إلى هذا اللفظ على ظاهره دون تغيير حين قالوا: (الذاتي) ولم يقولوا الذووي،  بخلاف النسب إلى ذو مؤنث ذات، في قولهم: هو ذو كذا وهي ذات كذا.
وما أقبح أن تُلزم (الذات) بالقياس الجامد هنا فيقال فيها: الذَّوويّ!، فأيهما أحسن قولهم: الصفات الذووية أم  قولهم: الصفات الذاتية؟ والعلاقة الذووية أم العلاقة الذاتية؟ والقيمة الذووية أم القيمة الذاتية؟ والرغبة الذووية أم الرغبة الذاتية؟ والخصائص الذووية أم الخصائص الذاتية؟ وقولهم: هذا دافع ذووي أم دافع ذاتي؟ و تفكير ذووي أم تفكير ذاتي؟ واكتفاء ذووي أم اكتفاء ذاتي، وتمويل ذووي أم تمويل ذاتي؟ وحكم ذووي أو حكم ذاتي؟ وسيرة ذووية أم سيرة ذاتية؟!
إن التفريق هنا يدل على حكمة المولدين، وقد رأينا حكمتهم في التفريق في مواضع غير هذا منها  العريس والعروس، إذ جعلوا العريس للذكر والعروس للأنثى. فالتفريق في النسبة هنا بين ذات مؤنث ذو وذات بمعنى النفس أو الحقيقة مستحب، والتخطئة مردودة، فقل: الصفات الذاتية؛ كما يقول المولدون ولا تقل: الصفات الذووية، على ما يقتضيه القياس الجامد الذي لا يراعي الفروق الدلالية في الاستعمال ولا يلتفت إلى اللبس.
عبدالرزاق الصاعدي
 28/ 12/ 1437هـ

السبت، 17 سبتمبر 2016

هل أخطأ أبو الطيب المتنبي في قوله: أسْوَدُ من الظُّلَمِ؟

هل أخطأ أبو الطيب المتنبي في قوله: أسْوَدُ من الظُّلَمِ؟

قال المتنبي:
ابْعَدْ، بَعِدْتَ، بَياضاً لا بَياضَ لهُ    لأَنتَ أسوَدُ في عَيني منَ الظُّلَمِ
        الجواب: من شروط أفعل التفضيل عند البصريين ألا يأتي مما الوصف منه على أفْعَل الذي مؤنثه فَعْلاء مما دل على لون أو عيب أو حِلْية؛ لأنَّ الصفة المشبّهة تُبنى من هذه الأفعال على وزن أَفْعَل، فلو بُني التفضيل منها لالتبس بها، فيتوصّلون إلى ما فُقد منه شرطٌ بزيادة (أشَدّ) أو (أكثر) قبله، فيقال: هو أشَدُّ سوادًا وأشدُّ بياضًا.
         ولكنَّ الكوفيين يجيزون بناء أفعل التفضيل من لفظي السَّواد والبياض، يقولون: لأنهما أصلا الألوان، ولوروده في السماع. قلت: وهو الصحيح، ومنه قوله تعالى: {ومَنْ كان في هَذه أَعْمَى فهو في الآخِرةِ أَعْمَى وأَضَلُّ سبيلاً} فإن كانت الأُولى صفة من العمى، فالثانية اسم تفضيل أي أشد عمىً، ويتأوله بعضهم بأن العَمَى هنا عَمَى القلب والبصيرة لا عمى البصر، وهو يحتمل الوجهين، وأظهر منه الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (ح: 6579): «حوضي مسيرة شهر، ماؤه أَبْيَضُ من اللَّبَن» ولفظه عند مسلم (ح: 2292): «... ماؤه أَبْيَضُ من الوَرِق» وهو في مسند أحمد أيضا، وهذا ظاهر وهو حجة لا ترد.
       وأما قول المتنبي: [لأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْني من الظُّلَمِ] فيتأوله البصريون بأن الشاعر جَعَلَ أسْوَدَ هاهنا من قبيل الوصف المحض الذي تأنيثه سوداء، وأخرجه عن حيز أفْعَلَ الذي للتفضيل والترجيح بين الأشياء، ويكون على هذا التأويل قد تم الكلام وكملت الحجة في قوله: لأنت أسود في عيني، وتكون (من) التي في قوله: من الظلم لتبيين جنس السواد؛ لا أنها صلة أسود. ولذا قال ابن هشام في المغني متابعا البصريين: إنّ من الظُّلم صفة لأسود؛ أَي: أسود كائِن من جملَة الظُّلم، وليست (من) مُتَعَلقَة بأسود لأن هذا يَقْتَضِي كونه اسم تفضِيل وذلك مُمْتَنع في الألوان.
      قلت: مذهب البصريين ضعيف وتوجيههم المسموعَ -ومنه بيت المتنبي- ظاهر التكلّف، ومذهب الكوفيين فيه هو الصحيح عندي؛ لورود السماع؛ ولأن الألوان متفاوتة الدرجات، ولأننا لم نزل نسمع في لهجاتنا على سبيل الاستفاضة مثل قولهم: هذا أبْيَضُ من هذا، وهذا أسْوَدُ منه، وأما دعوى الالتباس بالصفة المشبهة فمدفوعة بدلالة السياق.. والله أعلم.
عبدالرزاق الصاعدي 16/ 12/ 1437هـ

الجمعة، 9 سبتمبر 2016

الوزن الصرفي لـ (سيناء) في اللغات الثلاث: طور سَيناء / طور سِيناء / طور سِينين:

الوزن الصرفي لـ (سيناء) في اللغات الثلاث:
 طُور سَيناء / طُور سِيناء / طُور سِينين

    اختلف القُرّاء في قوله تعالى: {طُور سَيْنَاءَ} فقرئ بفتح السين وكسرها، وقرئ أيضا: طُور سِينين، ويحتمل اللفظ على القراءتين الأولى والثانية ثلاثة أوزان لكل منهما، ويحتمل وزنًا واحدًا للقراءة الثالثة، وهذه خلاصة الأوزان: 

أولا: قراءة طُور سَيناءَ بفتح السين، يحتمل اللفظ وزنين عند البصرين ووزنًا ثالثا عند الفرّاء، وهي:
1- (فَعلاء) كحمراء وصحراء وهذا أظهرها، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
2- (فَيعال) مثل: كَيسان، ومنع من الصرف على هذا الوزن للعلمية ومعنى البقعة.
3- (فَعلال) وهو ملحق عند الفرّاء بخَزْعال، ولم يقبله البصريون، لأنه لم يرد منه إلا خَزعال، قالوا: فلا يحمل عليه أي لا يُلحق به.. وعلة منعه من الصرف: العلمية ومعنى البقعة.

ثانيا: قراءة سِيناء بكسر السين، ويحتمل اللفظ ثلاثة أوزان، وهي:
1- (فِعلاء) كعِلباء وحِرباء، وعلة منعه من الصرف: العلمية ومعنى البقعة، لأن الهمزة هنا ليست للتأنيث.
2- (فِيعال) مثل دِيماس، وعلة منعه من الصرف: العلمية ومعنى البقعة.
3- (فِعلال) (أي ملحق به) مثل: شمِلال وقِرطاس، وعلة منعه من الصرف: العلمية ومعنى البقعة.

ثالثا: قراءة طُور سِينين، وهذا اللفظ يحتمل وزنًا واحدًا هو: فِعليل، مثل زِحليل وخِنذيذ.
والله أعلم بتأويل كتابه.
عبدالرزاق الصاعدي
7/ 12/ 1437هـ

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

فكّ الاشتباك بين مصطلحي اللغويات واللسانيات وتخصيص دلالتهما:

القرار الثالث والعشرون

فكّ الاشتباك بين مصطلحي اللغويات واللسانيات وتخصيص دلالتهما

نص القرار الثالث والعشرين:

((يرى المجمع بأغلبية الأصوات فكّ الاشتباك بين مصطلحي اللغويات واللسانيات، ليدل مصطلح (اللغويات) على المعنى الشامل والأصل الجامع للعلوم اللغوية للغة العرب: (النحو والصرف وفقه اللغة والمعاجم)، ولينفرد مصطلح (اللسانيات) بالدلالة على الدراسات اللغوية الحديثة التي تُعنى بالقوانين العامة التي تشترك فيها اللغات جميعًا وما يحمل عليها من نظريات لسانية عديدة من لدن دي سوسير إلى تشومسكي وما بعده، حسب مناهجهم المختلفة، وهو  ما يعرف بـ: Linguistics .

ويدعو المجمع الباحثين إلى التزام الدقة في استخدام المصطلحين: (اللغويات) و(اللسانيات) وتجنّب الخلط بينهما، إذ لوحظ أن بعضهم يستخدم (اللغويات) مرادفًا لمصطلح (اللسانيات) ويعمّم بعضهم مصطلح (اللسانيات) ليشمل النحو والصرف وفقه اللغة والمعاجم وعلم اللغة الحديث بنظرياته المختلفة، وفي هذين المفهومين خلط بين المصطلحين. ويحسن بالأقسام التي تسمي نفسها: (اللغويات التطبيقية) أن تعيد النظر في اسمها، وتتسمّى بــ: (اللسانيات التطبيقية).

ويبقى القول: إن مصطلح (اللغويات) بمعناه العربي العام لا يلغي المصطلحات اللغوية القديمة فعند التخصيص وإرادة علم من علوم اللغويات يذكر ذلك العلم بمصطلحه القديم، فيقال: النحو، الصرف، أو التصريف، فقه اللغة أو أصول اللغة، الأصوات، الدلالة، المعجم، وعند إرادة العموم يقال: اللغويات، ولا بأس من وصفه عند الحاجة في المحافل الأجنبية ونحوها فيقال: اللغويات العربية)).

مجمع اللغة الافتراضي- المدينة المنورة

مقدّمات القرار ونتيجة التصويت وبعض المداخلات:

يواجه الدارسون والباحثون في علوم اللغة تعدد مصطلحاتها وعدم دقتها وضبابية بعضها، وتداخلها أحيانًا، ولعلوم اللغة مصطلحات عديدة قديما وحديثا، فحين ننظر إلى علوم اللغة القديمة عند سلفنا ومن سار على منهجهم من المتأخرين نجد مصطلحات: العربية وعلم العربية وعلوم اللغة والنحو والصرف وفقه اللغة وأصول اللغة ومقاييس اللغة والمعيارية، وهي مصطلحات متقاربة يجمعها فن واحد يفتقر إلى مصطلح مناسب جامع لعلوم اللغة العربية التقليدية نحوًا وصرفًا وفقه لغة ومعاجم ودلالة ليقابل مصطلح (اللسانيات) الذي أثبت نجاحه لاختصاره مع دقة دلالته على تلك العلوم بعد أن استقر في الدراسات اللغوية واشتهر بين الباحثين ترجمةً للمصطلح الأجنبي: Linguistics ، فكان هذا مُمهّدا لطرح الموضوع على الأعضاء الكرام ومحبّي العربية في المجمع للمناقشة واستطلاع الرأي العام، وخلص المتحاورون إلى اختيار المصطلحات الأربعة الآتية: (اللغويات) و(اللغويات العربية) و(علوم العربية) و(النحو والصرف وفقه اللغة) وأُجري التصويت عَقِيبَ ذلك لاختيار أمثلها، وجاء التصويت في جزءين يكمل أحدهما الآخر، الأول: تصويت اللجنة العلمية المتخصصة، وتمثل نتيجته 70% والآخر التصويت العام المفتوح للمهتمين بالعربية وعموم المثقفين، وتمثل أصواتهم 30%، وحُسم القرار بالأغلبية بمجموع النسبتين، بعد مزجهما وتحويلهما إلى نسبة مئوية موحّدة، وفيما يأتي تفصيل التصويت في القسمين ونتيجته النهائية:

أولا: نتيجة تصويت اللجنة العلمية المتخصصة:

عرض الموضوع على لجنة مكونة من ثمانية عشر عضوًا، فكانت النتيجة كما يأتي:
     1-      اللغويات: 8 أصوات ونسبتها: 44.4%
     2-     اللغويات العربية: 5 أصوات ونسبتها: 27.8%
     3-     علوم العربية: 3 أصوات ونسبتها: 16.7
     4-     النحو والصرف وفقه اللغة: صوتان ونسبتهما: 11.1%

ثانيا: نتيجة التصويت العام:

     1-      اللغويات:  حصل على: 39%
     2-     اللغويات العربية: حصل على: 17%
     3-     علوم العربية: حصل على: 27%
     4-     النحو والصرف وفقه اللغة: حصل على: 17%

النتيجة النهائية بعد مزج النتيجتين وتحويلهما إلى نسبة مئوية موحّدة:

الأول: اللغويات: 42.7%
الثاني: اللغويات العربية: 24.6%
الثالث: علوم العربية: 19.8%
الرابع: النحو والصرف وفقه اللغة: 12.9%

أعضاء اللجنة وأصواتهم مرتبة على حروف المعجم:

1-      د. أحمد البحبح : (اللغويات العربية)
2-     د. بدر عائد الكلبي: (اللغويات)
3-     د. حسن العمري: (علوم العربية)
4-     أ.د. سالم الخمّاش: (علوم العربية)
5-     أ. سلطان العميمي: (النحو والصرف وفقه اللغة)
6-    د. سليمان الضحيّان: (اللغويات العربية)
7-     أ. عبدالرؤوف الخوفي: (اللغويات العربية)
8-    د. عبدالعزيز العمري: (اللغويات)
9-     د. عبدالله اليتيمي: (اللغويات)
10-   أ. علي الجبيلان: (علوم العربية)
11-   أ.د. عمر  بن شهاب: (اللغويات)
12-  د. فريد الزامل: (النحو والصرف وفقه اللغة)
13-  د. مشعان الجابري الحربي: (اللغويات)
14-  د. مكين بن حوفان القرني: (اللغويات العربية)
15-  د. ناصر الهذيلي: (اللغويات)
16- د. نصار بن محمد حميدالدين: (اللغويات العربية)
17-  أ.د. يوسف بن محمود فجّال: (اللغويات)
18- عبدالرزاق الصاعدي (رئيس اللجنة): (اللغويات)

المداخلات والتعليقات:

             مداخلة د. عبدالعزيز العمري:
هذه بدائل مطروحة للمصطلح الأمثل، وسأذكر رأيي فيها في نقاط سائلاً الله الصواب:
1- أرى استبعاد مصطلح (علوم العربية)؛ لاشتماله على الأدب العربي والأدب المقارن والنقد والبلاغة، فصار المصطلح مشتملا على غير ما يراد تخصيصه به.
2- مناسبة مصطلح (النحو والصرف وفقه اللغة)؛ لدقته، ولكن يعيبه الطول الزائد، لا سيما إن أضفنا إليه (العروض)، والغرض من المصطلحات الاختصار لا ذكر الجزئيات؛ فلذا أستبعده.
3- استبعاد مصطلح (اللغويات العربية)؛ لتخصيصه بالعربية دون داع؛ فمن المعلوم أن كلية اللغة العربية ستفرد قسم (اللغويات) الخاصة بهذه اللغة.
4-ويترجح عندي مصطلح (اللغويات)؛ ووجهه أن النحو علم لغوي، والصرف علم لغوي، والمعجم وفقه اللغة كذلك، فهي كلها علوم لغوية ولغويات، فيصح إطلاق لغويات عليها. ويبقى إشكال مطروح، وذلك في اختلاطه بما يدل على (اللسانيات)، والذي يظهر لي أن استقرار مصطلح (اللسانيات) ونضجه يمنع من دخول غيره عليه، فلم يعد بحاجة إلى حجز مصطلح آخر له، بل إن فيه استمرارًا لفوضى المصطلح، ويبدو لي أن تسمية (اللغويات) واختصاصها بما ذكرنا فيه تخليص لها من تداخلها مع غيرها واستثمار لهذا المصطلح المختصر. ثم مع اشتهاره واختصاصه بعلوم العربية لن يطرأ على الأذهان مزاحمته لمصطلح اللسانيات. وبقي أمر أخير، وهو رصد مدى سريان هذا المصطلح (اللغويات) في أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية؛ إذ إن انتشاره وشيوعه يجعل تعميمه أمرا مناسبا. هذا اجتهادي، والله من وراء القصد.

مداخلة الدكتور أحمد البحبح:
قبل أن أضع صوتي المتواضع أُبدي لكم شخصيا سبب الاختيار والامتناع مع علمي بعدم ظهور ذلك في التصويت؛ إنما هو من فضول القول.
أما المصطلح الأول فالنفس تميل له لاختصاره الشديد، والمصطلح كلما قلت حروفه كان أفضل من غيره المساوي له في المعنى، غير أن فيه لبسا في احتمال دخول لغويات غير العربية مع العربية.  وأما المصطلح الثالث ففيه أكثر من لبس؛ منه أن مصطلح العربية استُعمِل مقابلا لمصطلح النحو، فكان بعضهم-لاسيما المغاربة والأندلسيون ـ يسمون علم النحو علم العربية، ومنه أن في علوم العربية احتمال دخول غير النحو والصرف وفقه اللغة معها مثل العروض والبلاغة، بل قد يدخل غير اللغويات من علوم العرب في هذا المصطلح . وأما المصطلح الرابع ففيه أكثر من لفظ، وكل لفظ فيه مصطلح قائم بذاته.
لذا أجدُني أمام اختيار المصطلح الثاني (اللغويات العربية) فهو الأنسب في نظري مقابلا لمصطلح اللسانيات.  والله الموفق.

             مداخلة الدكتور حسن العمري من جامعة أم القرى:
تعليقي على وضع مصطلح جامع لعلوم النحو والصرف وفقه اللغة: اللغة واللسان في كلام العرب يدلان على شيء واحد، ولذلك كان مصطلحا اللسانيات واللغويات لدراسة اللغات وعلومها. وحين نطلق لفظ اللسانيات أو اللغويات ينبغي أن يتناول دراسة اللغات بعامة، ولا أظن أن من السهل قصر لفظ (اللغويات) على النحو والصرف وفقه اللغة.. ولا أرى أن يقال بأنه يمكن تخصيص دلالة لفظ اللغويات على علوم العربية المعيارية بالسياق، كون الأقسام العلمية العربية في أغلب جامعاتنا تعني باللغويات هذا الجانب؛ لأننا حين نريد وضع مصطلح يشمل هذه العلوم فإنه ينبغي أن يكون مقبولا عند المنتمين لهذا الميدان بعامة. ونحن نعلم أن أقسامنا اللغوية انفتحت على أقسام اللغويات واللسانيات في الجامعات الأخرى، واستقطبت عددا من الأساتذة في هذا التخصص، بل وابتعثت عددا من منسوبيها لدراسة هذا التخصص، وبناء على ذلك يصبح إطلاق لفظ اللغويات على علوم العربية المعيارية مدعاة تشويش وخلط بين من كان تخصصه في هذه العلوم العربية ومن كان تخصصه في اللسانيات الحديثة. ولو قيل في التعريف بأحد الأساتذة المتخصصين في النحو والصرف في مجمع عالمي مثلا (أستاذ اللغويات) لظن أن المقصود كونه متخصصا في علوم اللغات عموما، ولكان متوازيا مع (أستاذ اللسانيات)، وهذا إشكال ظاهر. يؤكد ذلك تسميات حديثة مثل (اللغويات التطبيقية) و(اللغويات الاجتماعية) ونحوها، والمقصود منها علوم لسانية. وفي بعض جامعاتنا يوجد قسم اسمه (قسم اللغويات التطبيقية)، وجميع المقررات التي تدرس في هذا القسم تتعلق باللسانيات لا بالنحو والصرف ونحوهما. ومن جهة أخرى فإن في النحو والصرف جانبا تطبيقيا، كالإعراب والتحليل النحوي والصرفي ونحو ذلك، بل يوجد مقررات جامعية تسمى (التطبيقات الصرفية)، و(التطبيقات النحوية). فنحن إذا أطلقنا مصطلح اللغويات على النحو والصرف ونحوهما، فنحن بحاجة أن نسمي مثل هذا الجانب التطبيقي منهما اللغويات التطبيقية، ولا ريب أن هذا سيلتبس بالمقصود من اللغويات التطبيقية في مفهومها الحديث المتصل باللسانيات.. ولا أظن أيضا أن تخصيص دلالة لفظ (اللغويات) بالوصف -بأن يقال (اللغويات العربية)- كافيا في رفع الإشكال الوارد. لأن من الكتب والأبحاث اللسانية ما هو عربي، ومن هنا يقع الخلط أيضا بين اللغويات العربية المراد بها علوم العربية المعيارية، واللغويات العربية المراد بها المشاركات العربية في اللسانيات الحديثة. ويتأكد هذا بما يمكن أن يكون مستقبلا من وضع نظريات لسانية من قِبَل الدارسين العرب لها، لا مجرد ترجمة نظريات غربية، وعندها يكون لفظ (اللغويات العربية) متناولا لتلك الجهود المتوقعة، ويقع بذلك الخلط بينها وبين النحو والصرف إذا أطلق عليهما هذا اللفظ. وبناء على ما سبق يصبح تخصيص دلالة لفظي (اللغويات) و(اللغويات العربية) بالنحو والصرف وفقه اللغة تحكّما. ولا أظن أحدا يقول بمنع وصف (اللغوي) أو (أستاذ اللغويات) عن المتخصص في اللغويات التطبيقية بمفهومها الحديث، وقصر ذلك على المتخصص في النحو والصرف وفقه اللغة، وإذا كان كذلك فأظن أن هذا يشكل جدا على جعل هذا مصطلحا لعلوم العربية خاصة. وفي ختام هذا التعليق أرى أننا بحاجة قبل وضع مصطلح يجمع النحو والصرف ونحوهما إلى وضع ضابط معتبر للعلوم العربية المراد جمعها تحت مصطلح واحد، لنعرف الجامع المشترك بينها (سواء كان المعيارية أم كان غيرها)، وبناء عليه نضع المصطلح. وأرى أن لفظ (علوم العربية) أقرب ما يكون الآن لهذا حتى يظهر غيره أولى منه، فإن علوم العربية يتناول العلوم التي وضعت لضبط قواعد العربية في نحوها وصرفها وأصواتها وقيود شعرها ومعايير بلاغتها والله أعلم.

              مداخلة أ.د. يوسف محمود فجّال:
أرى أن يكون مصطلح (اللغويات) اسمًا جامعًا للنحو والصرف وفقه اللغة (التراثي العربي) ولا داعي لتقييدها بـ(العربية) فهو من باب تحصيل الحاصل، ولا أرى مناسبة مصطلح (علوم العربية) لأنه يدخل فيه غير ماسبق كعلم الأصول والتفسير والمعاجم والعروض والأدب وغيرها، وجميعها علوم عربية، أما (النحو والصرف وفقه اللغة) فهو تفصيل ونحن هنا في موضع اختصار، وهذا الاسم (اللغويات) منذ زمن بعيد أستخدمه إشارة لتخصصي في النحو والصرف، وكان والدي رحمه الله- أ.د. محمود فجال يستخدمه كذلك فيقول: (المتخصص في اللغويات) ويضيف إليها أحيانا النحو والصرف بين هلالين شرحا لمعنى (اللغويات).
علما بأن اللسانيين لا يخرجون (النحو والصرف) من ضمن دراساتهم، فالنحو والصرف العربيان جزء من دراسة اللسانيات الوصفية، فاللسانيات الوصفية تشتمل على أربعة مستويات الصوت والصرف والنحو والدلالة، غير أن طريقة المعالجة مختلفة بين المنهج اللساني والمنهج (النحوي) التراثي، فالأول وصفي والثاني معياري. ومن هنا فإنني أرى أن مصطلح (اللغويات) أقرب مصطلح يعبر عن علوم اللغة التراثية (النحو والصرف وفقه اللغة) ويخرج منه (الأدب والبلاغة واللسانيات بأقسامها). والله ولي التوفيق.

صدر القرار في يوم الاثنين 4 / ذي الحجة / 1437هـ الموافق 5 /سبتمبر/ 2016م.
مجمع اللغة الافتراضي- المدينة المنورة.