الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

القرار العشرون: إجازة اشتقاق الفعل (مَعْجَمَ) من لفظ المُعجم:



القرار العشرون

إجازة اشتقاق الفعل (مَعْجَمَ  ) من لفظ المعجم

     تقدم المشرف على المجمع باقتراح موضوع القرار العشرين؛ وهو النظر في توليد فعلٍ من لفظ المعجم: مَعجمتُ الكلمة أُمعجمها فهي مُمَعجمة وهذه لم تُمعجم، وعرضت مسودة القرار للمناقشة العلنية لمدة أسبوعين مع ورقتين مقدّمتين من المشرف الأستاذ الدكتور عبدالرزاق الصاعدي والدكتور أحمد البحبح، ثم عرضت مسودة القرار على لجنة متخصصة من اللغوين من جامعات متفرّقة، وكانت نتيجة التصويت: قبول القرار بالأغلبية.


     القرار المجاز: «الموافقة على صوغ الفعل الرباعي (مَعْجَمَ الكلمةَ يُمَعجِمُها مَعْجَمةً، فهي مُمَعْجَمة؛ أي: وضعها مع شرحها اللغويّ في موضعها من المعجم) إلحاقا للثلاثي المزيد بالرباعي (دَحْرَجَ) أو حملا عليه، مراعاةً لمعنى الميم على طريقة العرب في توهّم  أصالة الحرف الزائد، على حدّ قولهم مَرْحَبَك اللهُ ومَسْهَلَك ومَسْقَعَ الخطيب ومَخْرَقَ الرجلُ، وتَمَسكن وتَمَنطق وتَمَدرع وتَمَهْجَرَ، ليتضمّن الفعل المشتق (مَعْجَمَ) المعنى الاصطلاحي من قولنا: «وضع الكلمة مع شرحها اللغويّ في موضعها من المعجم» ويتحقّق به الاختصار وتكون الميم فيه دليلا على المعنى ويُؤمَن معه اللبس في الدلالة، أو كما جاء في توجيه ابن جني لأمثال هذا بأن العرب حين يشتقّون على التوهّم يتحمّلون ما فيه تَبقيةُ الزائد مع الأصل في حال الاشتقاق توفيةً للمعنى، وحراسة له، ودلالة عليه.
         وترى اللجنة ألا يفتح في هذا باب القياس، بل يكون محكوماً بالحاجة تحت نظر اللغويين؛ لأن العرب لا تخالف القياس وتلجأ إلى الشذوذ إلا عند ضرورةٍ أو حاجة.
        ويكون الوزن الصرفي للفعل مَعْجَمَ: مَفْعَلَ، والوزن المراد أو المتوهّم: فَعْلل، وعليه المعوّل».

 نتيجة التصويت لأعضاء اللجنة العلمية:

الذين وافقوا على القرار : عشرة.
الذين رفضوا القرار: اثنان.
الذين توقّفوا: اثنان.

تفصيلات التصويت لأعضاء اللجنة العلمية:

    1-     د. سالم الخمّاش / جامعة الملك عبدالعزيز= موافق.
    2-     د. محمد بن ربيع الغامدي/ جامعة الملك عبدالعزيز= موافق.
    3-    د. أحمد عبد اللاه عوض البحبح/ جامعة عدن= غير موافق.
    4-    د. أحمد بن سعيد قشاش/ جامعة الباحة = موافق.
    5-    د. سليمان الضحيّان / جامعة القصيم = موافق.
    6-    د. عبدالله السفياني/ جامعة المجمعة = موافق.
    7-    د. محمد بن راجي الصاعدي/ الجامعة الإسلامية = موافق.
    8-   أ. محمد العلالي / سوريا = موافق.
    9-    د. عبدالملك آل الشيخ/ جامعة الإمام محمد بن سعود= موافق.
   10-  د. عبدالعزيز العمري / جامعة الإمام محمد بن سعود= متوقّف.
   11-  د. حسن العمري / جامعة أم القرى = متوقّف.
   12-  د. مكين بن حوفان القرني/ جامعة الباحة = موافق.
   13- د. سامي الفقيه الزهراني/ جامعة الباحة= غير موافق.
   14- عبدالرزاق الصاعدي (رئيس اللجنة)/ الجامعة الإسلامية= موافق.


الورقة الأولى
مَعجم الكلمة يُمعجمها معجمةً فهي ممعجمة
عبدالرزاق الصاعدي

      تميل العرب إلى الاختصار والإيجاز في القول وتحميل الصيغ الصرفية المعاني المكثّفة، ولغتهم طيّعة قادرة على استيعاب المعاني والمصطلحات الطارئة، يعينهم في ذلك أن لغتهم لغة اشتقاق وتوليد، ومن براعتهم في الاشتقاق أنهم قد يتجاوزون المعيار الصرفي عمدا أو ما يشبه العمد، فيخلقون بالمخالفة لغة عربية لا تردّ، ويحملون لفظا على لفظ آخر يريدون إلحاقه به، قصداً لا غلطاً، ويشتقون من لفظ الاسم المنطوق لا من أصل مادته، وهو ما يسميه الصرفيون التوهّم أو الغلط المقصود، فما التوهم؟ 

      التّوهمّ - في الاصطلاح اللّغوي- مأخوذ من معانيه اللّغويّ؛ فهو توهّم أصالة الحرف الزّائد، أو توهّم زيادة الحرف الأصليّ، والأوَّل أكثر؛ وهو يكثر في الجمع، واشتقاق الأفعال؛ نحو: مُسْلانٍ، جمع مَسِيلٍ، ومَيَاسِمَ جمع مَيْسَمٍ، واشتقاقهم من: المِسْكِين والمِدْرَعَةِ: تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ.

    والحديث عن «التّوهّم» مفرّقٌ في كتب اللّغة والصّرف، وأكثر وروده فيها عارض؛ وهم يطلقون عليه مسمّياتٍ مختلفة؛ كـ«الغَلطِ»(1) و«المشابهة» و«المشاكلة» و«كأنّه كذا» و«إلحاق هذا بذاك» و«القياس الخاطئ» وكلّ هذا عند التّنبيه على الشّذوذ أو مخالفة القياس. 

       ومن أقدم ما ورد من الإشارات الصّريحة عن «التّوهّم» ما عزاه سيبويه للخليل في جمع «مُصِيبَةٍ» قال: «فأمّا قولهم: مَصَائِب فإنه غلط منهم، وذلك أنهم توهّموا أنّ مُصِيبَةً فَعِيلةٌ، وإنما هي مُفْعِلَةٌ» (2). ثمّ نجد كلمة «التّوهّم» ترد كثيراً بهذا المعنى عند بعض اللّغويّين فيما بعد؛ كالأزهريّ(3)، وابن جنّي(4)، والجوهريّ(5)، والصّغانيّ(6).

          ويعنون به في الاصطلاح: اشتقاق لفظ من لفظ مع إعطائه حكم لفظ آخر يشاكله بتوهم أصالة حرف زائد أو زيادة حرف أصلي، قصدا منهم لا غفلة.
        ومن العرب من ينجذب طبعه إلى شيء، فيقيس عليه، وقد حكى أبو الفرج الأصبهاني ما وقع في شعر عُمارة بن عقيل الخطفيّ، واعتراضَ أبي حاتم السّجستانيّ عليه؛ فقال: «أنشد عُمارة قصيدة له؛ فقال فيها: الأرْيَاحُ والأمطارُ؛ فقال له أبو حاتم السّجستاني: هذا لا يجوز، وإنّما هو الأرْوَاحُ؛ فقال: لقد جذبني إليها طبعي، فقال له أبو حاتم: قد اعترضه علمي؛ فقال: أما تسمع قولهم: رِيَاحٌ؟ فقال له أبو حاتم: هذا خلاف ذلك، قال: صدقتَ ورجع»(7).

      وقد عرض مجمع اللغة بالقاهرة سنة 1965م لظاهرة التوهم في الاشتقاق، ورأت اللجنة «أن هذا التوهم ضرب من ظاهرة لغوية فطن إليها المتقدمون، ودعمها المحدثون، ولهذا ترى اللجنة أن في وسع المجمع أن يقبل نظائر الأمثلة الواردة على توهم أصالة الحرف الزائد أو المتحوّل، ممّا يستعمله المحدثون إذا اشتهرت ودعت إليها الحاجة»(8)

 الغرض من الاشتقاق على التوهم أو المشاكلة وعلته الصرفية:

    الاشتقاق على التوهم تابع للمعنى، يتجنّبون به لبساً محتملاً لدلالةِ صيغةٍ مقيسةٍ يفرّون منها، فاشتقاق الفعل المقيس من المدرعة بمعنى لبسها: تَدَرّع، ولكن هذا الفعل تدرّع لا يخلو من لبس، لأنك لا تدري أهو من الدرع أو المدرعة، فعدلوا عن القياس واشتقوا قاصدين بتوهم أصالة الميم، فقالوا: تَمَدْرَعَ، ويقول القائل: تَمَذْهَبَ فلان بمذهب الشافعي، ويترك القياس: تذهّب؛ لأنه لا يحمل الدلالة المركّزة المرادة في قوله: تمذهب؛ المستفادة من الميم الزائدة هنا، وبقاؤها في هذا الفعل يحمي من اللبس من دلالة الذهب أو الذهاب في الأرض، فمن أجل المعنى خالفوا القياس. وفعلوا مثل هذا في الاشتقاق من المِسكين والِمنديل والمِنطقة فقالوا: تَمَسْكَنَ وتَمَنْدَلَ وتَمَنْطَقَ، مع قولهم القياس من هذا، وهو دليل على أنهم يتركون القياس قصداً وعمداً لا غلطاً.

       وأما الوزن فلك فيه وجهان، إن شئت راعيت الأصل فقلت: تمسكن تمفعل، لتدل على زيادة الميم، وإن شئت راعيت مرادهم بالتوهم وجعلتها على وزن (تفعلل) كتدحرج، وهذا اختيار الشيخ مصطفى الغلاييني، وجعله رأي المحققين، قال: «فقد توهموا أصالة الميم في هذه الأسماءِ فبنوا الفعل عليها،  فوزنها (تَفَعْللَ) لا (تمفعلَ) هذا هو الحقُّ الذي عليه المحقّقون من العلماء» (9).

     وحين يميل كثير من الصرفيين إلى تخطئة العرب في هذا الاشتقاق ويمنعون القياس عليه لشذوذه متجاهلين المعنى المراد نجد لشيخ العربية وفيلسوفها ابن جني رأيا آخر في الخصائص، يكشف فيه عن مراد العرب من اشتقاق التوهم، وإليك قوله بتمامه في باب (باب في الردّ على من ادّعى على العرب عنايتَها بالألفاظ وإغفالهَا المعاني): «وعليه جاء تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ، وتَمَنْطَقَ وتَمَنْدَلَ، ومَخْرَقَ، وكان يُسمّى محمدًا ثم تَمَسْلَمَ؛ أي: صار يُسمّى مسلمًا ومرحبك الله ومسهلك؛ فتحمّلوا ما فيه تَبقيةُ الزائد مع الأصل في حال الاشتقاق؛ كلُّ ذلك تَوفِيَة للمعنى وحراسة له ودِلالة عليه. ألا تراهم إذ قالوا: تَدَرَّعَ وتَسَكَّنَ؛ وإن كانت أقوى اللغتين عند أصحابنا فقد عَرَّضوا أنفسهم لئلا يُعرف غرضُهم: أَمِن الدِّرْع والسّكون أم مِن المِدْرعة والَمسْكنة، وكذلك بَقيّةُ الباب»(10)، وهذا قول سديد ينصف العرب، ويُبين عن حكمتهم فيما يظنه كثير من العلماء أغلاطاً وأوهاماً. 

     وقال ابن يعيش في شرح المفصل حين عرض لهذا النوع من الاشتقاق: «فكأنهم اشتقوا من لفظ الاسم كما يشتقّون من الجُمَل نحو حَوْقَلَ وسَبْحَلَ»(11).

مَعْجَمَ الكلمةَ يُمَعجِمُها:
     وعلى ذلك المنهج في الاشتقاق المتوهّم يصاغ الفعل(مَعْجَمَ الكلمةَ يُمعجمها فهي مُمعجمة) من لفظ المُعجم؛ لأن الفعل القياسي منه (عَجَّمَ) لا يؤدي الغرض المراد منه، ولا يقوم مقامه، ولا يؤمن معه اللبس، فعَجَّمَ يأتي لأكثر من معنى، منها: عجّم الكتابَ: نقطه، وعَجَّمَ العُودَ: عضّه ليعرف صلابته، وأصل المعنى الإبهام، وكذلك (أعجم) لا يقوم مقام مَعْجَمَ ، ولا يؤمن معه اللبس؛ لأن من معانية: أعجم الكلامَ: ذهب به إلى العجمة، وأعجم الكتاب: أزال عُجمته بالنقط، وكل من لم يفصح بشيء فقد أعجمه.  بخلاف (مَعْجَمَ) في دلالته على المعنى الاصطلاحي المراد، فهو يؤدّي الغرض المعنوي الخاصّ مع الاختصار، فمعنى مَعْجَمَ: (وضع الكلمة مع شرحها اللغويّ في موضعها من المعجم) 

وهذه مُعادلته: [وضع+ الكلمة + في + المعجم + مع+ شرحها + اللغوي] = مَعْجَمَها.

     وإننا حين نؤيد اشتقاق الفعل مَعْجَمَ يُمعجم من المعجم لا نريد تَكثُّراً أو ترفاً لغوياً أو بهرجة، ولكننا نريد اشتقاقَ فعل يشبه المصطلح، أو فيه دلالة المصطلح، يمزج بين معنى الاسم الذي اشتق منه ومعنى الفعل الرباعي، بتركيز دلالي دقيق واختصارٍ مراد، يمنع اللبس، ويعين اللغويين والمعجميين في أبحاثهم.

      ويضاف إلى هذا أن في قولنا (مَعْجَمَ الكلمة) ما ليس في قولنا (ذكر الكلمةَ أو أوردها في مُعجمه) فالذكر عامّ، ويحتمل غير وجه، فقد تذكر الكلمة في المعجم في مادتها (جذرها) وهذا هو الأصل، وقد تذكر في غير مادتها، خلافا للأصل، وكم في المعاجم من نصوص لغوية ومشتقات جاءت عرضا في غير جذورها! وهذا النوع يعدّ من الفوائت، ومنه كلمة تطايح، جاءت في التهذيب في غير جذرها، فيتيح لنا الفعل مَعجم أن نُوصل المراد بيسر واختصار، فنقول مثلا: «ذكرالأزهري "تطايح" ولكنه لم يُمعجمها» فيُفهم أنه ذكرها عرضا في غير مادّتها. ولدِقّة هذا الاشتقاق وبعده عن اللبس جرى على ألسنة بعض الباحثين اللغويين المعاصرين، ولكنه يرد خجولا في كتاباتهم، نادرَ الاستعمال، وربما ظنه بعضهم خطأ فيتجنّبه، فتجاهلته المعاجم المعاصرة الشهيرة، ومنها معاجم مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ثم رأيته في معجم الغنيّ، للدكتور عبدالغني أبو العزم، وفيه: «مَعْجَمْتُ أُمَعْجِمُ مَعْجِمْ مَعْجَمَةً. مَعْجَمَ مُفْرَدَةً أو أَضفَى عليها الطَابَعَ المُعجَمِيَّ أو سَجّلَها، وَضَعَها دَاخِلَ مُعْجَمٍ» وهذا حسنٌ بالغ، ويحتاج إلى قرار يَعضُده.

أمثلة من توهم العرب أصالة الميم:
     من أشهر ما جاء عن العرب في توهّم أصالة الميم: تَمَسكنَ وتَمَدرعَ، وعليهما اقتصر سيبويه، قال: «وقد جاء تمفعل وهو قليل، قالوا: تمسكن، وتمدرع»(12). وذكر ابن السراج أن هذا الاشتقاق شاذ لا يقاس عليه، وأن الأجود تَسَكَّنَ وتَدَرَّعَ(13)، وفي تفضيله نظر؛ لأنه نظر إلى القياس الصرفي، وأغفل المعنى المستفاد من الميم الزائدة، الذي أشار إليه ابن جني، كما تقدّم.

     ولم يقتصر المسموع من هذا النوع الشاذ على هذين المثالين، وقد وجدنا العرب تتوسّع عند الحاجة، فاشتقوا منه على وزنين (مَفْعَلَ ألحقوه بفَعْلَلَ) و(تَمَفْعَلَ ألحقوه بتَفَعْلَلَ) فتركوا لنا أمثلة حفظتها مصادر اللغة، ولا ندرى عن مقدار ما لم يدوّن منه ولم يصل إلينا!

فمما جاء على مَفْعَلَ وما يلحق به:
    رُوي عن ابن الأعرابي وغيره أنه سمع من العرب قولهم: مَرْحَبَك اللهُ ومَسْهَلَكَ، من قَوْلهم مرْحَبًا وسَهْلاً.
     ومنه مَذْرَقَ به، رواه الصاحب في المحيط، قال: «مَذْرَقَ به وذَرَقَ به أي رَمَى به»(14) ، ورواه الصغاني في التكملة الصغاني والفيروزأبادي في القاموس والزَّبيدي في التاج .
     ومنه مَخْرَقَ الرجلُ(15)، من المخاريق واحدها المِخراق، والقياس: خَرَّقَ، وقالوا منه أيضا: تمخرق.
     ومنه: مَرْعَز الثوب، فهو مُمرعز، اشتقّوه من المِرْعِزّ أو المِرْعِزَّي أو المِرْعِزَاء.
    ومنه مَسْقَعَ الخطيبُ، رواه عبداللطيف البغدادي وذكر أنهم يقولون: فلان يُمَسقِعُ علينا فهو مُمَسْقِع، ولا يقال بالشين، وهو من قولهم: خطيب مِسقَع لتبجّحه وكثرة كلامه(16)، ونقلها الصفدي في تصحيح التصحيف(17).
     ومنه المُمَرْجَل (وفعله مَرْجَله) وهو ضرب من ثِيَاب الوشى فِيهِ صور المَرَاجِل، وذهب أبو العلاء المعرى إلى زيادة ميم (مَرْجَلَ) اعتماداً على الأصل المذكور, وجعل ثبوتها فى التصريف كثبوت ميم (تمسكن) من (المسكنة).
      ومنه قول العرب: مَرْهمَ الجرحَ ؛ إذا وضع عليه المَرْهَمَ، والميم زائدة، وهو على وزن مَفْعَل، على مذهب بعض العلماء، قال ابن سيده: والمَرْهَمُ: طلاء يُطلى به الجرح، وهو أَلين ما يكون من الدَّواء، مُشتَقّ من الرِّهْمَةِ للينِهِ(18).
     ويلحق بهذا: المكان، قال صاحب العين: هو في أصل تقدير الفعل: مَفْعَلَ؛ لأنه موضع للكينونة، غير أنه لما كثر أجروه في التصريف مجرى الفعال، فقالوا: مكناً له وقد تمكّن، وليس بأعجب من تمسكن  من المسكين، والدليل على أن المكان مَفْعَل: أن العرب لا تقول: هو مني مكانَ كذا وكذا إلا بالنصب(19).

ومما جاء على تمفعل وما تفرّع منه:
     قالوا: تمسكن وتمدرع وتمندل، من المسكين والمدرعة والمنديل.
     وقالوا: فلان يتمرأى، وهو من المِرآة، وميمها زائدة، وجاء في الحديث: (لا يَتَمْرأى أحدكم في الماء) أي: لا ينظر وجهه، نقله القيسي.
     وقالوا: تمكحل، وهو  من المكحلة.
     وقالوا تمرفق، من المرفق، والقياس ترفّق.
     وقالوا: مَخْرَقَ وتَمَخرق، من المخاريق واحدها المخراق، والقياس: تخرّق.
    وقالوا: تَمَحْلَبَ وتَمَغْفَرَ وتَمَهْجَرَ، قال العوتبي الصحاري: ويتمحلب: من المحلب... ومثله: خرج القوم يتمغفرون: إذا خرجوا يجتنون المغافير من شجره. وهو صمغ الألا بخاصة. وواحد المغافير: مغفور ومُغْفُر(20)، وقال: يقال: يَتَمَهْجَرُ الرجل: إذا كان يتشبه بالمهاجرين. وتمقدر الرجل؛ أي: تكلف القدرة على شيء يتكلفه بتعب(21).
      وحكى الأزهري عن اللّحياني عن أبي جعفر الرُّؤاسِيّ أَنه قال: يُقال: كان فلانٌ يسمَّى مُحَمَّدًا ثمَّ تمَسْلَمَ، أَي: تسمَّى بمُسلِم.
      وقالوا: تَمَنْطَقَ، وهو من المِنْطَقة، مثل تنطّق، عن اللحياني.
     ومنه يَتَمَوْلَى؛ قال ابن سيده: يتَمَولَى علينا أي يتشبه بالسادة، وما كنت مَوْلًى وقد تَمَوْلَيْتُ.
    وفي حديث عمر رضي الله عنه:  تَمَعْزَزُوا، قال الأصفهاني في المجموع المغيث: قيل: هو من العِزِّ، وهو الشِّدَّة: أي تشدَّدُوا وتصلَّبوُا، والميم زَائِدَة، كتَمَسْكَن من السُّكُون. وقيل: هو من المَعَز، وهو الشِدّة أيضا، ورجل ماعِزٌ: شَدِيدٌ. ومنه الأمْعَز والمَعْزَاءُ(22).
     ومنه تمسخر منه، واشتقاقه من المسخرة، وهي ما يجلب السخرية، قال البعلي: «الْمُتَمَسْخر" المتمسخر، اسم فاعل من تمسخر، وهو تمفعل من سخر فالمتمسخر يفعل ويقول أشياء تكون سببًا؛ لأن يسخر منه، أي: يتهزّأ به»(23).
       وفي المجمل لابن فارس: وتَمَهْجَرَ الرجل، إذا تشبه بالمهاجرين، وكذلك تهجَر(24).


     وقالوا تمشيخ فلان، على التوهم، والقياس تشيّخ.
   واشتق أبو عبيدٍ البكري من لفظ «المعنى» الفعل: يَتَمَعْنَى، قال في تعليقه على بيت لبشار: «وهذا لا يَتَمَعْنَى»(25) هكذا ضبطه عبدالمعزيز الميمني وحشّى عليه بقوله: «لا يتجه معناه، فعلٌ مُحدث»،  وذكره البكري أيضا في التنبية على أوهام أبي علي في أماليه(26)، وقلّده الميمني فيه فقال في ذيل اللآلي: «وقوله لو صانها: كذا في نسخة الشنقيطى ولا معنى له، وعند بعض من روى عن القالي لو هانها وهو المتجة والُمتَمَعْنِي لو ثبت نقله في اللغة»(27).   

كتبه/ عبدالرزاق الصاعدي، في 25/ 12/ 1436هـ الموافق 9/ 10/ 2015م.



([1]) ينظر: الكتاب 4/356، والخصائص 3/279.
([2]) الكتاب 4/356.
([3]) ينظر: التهذيب 12/459.
([4]) ينظر: الخصائص 3/122.
([5]) ينظر: الصِّحاح (مأق) 4/1553.
([6]) ينظر: التكملة (مصد) 2/343.
([7]) الأغاني 23/433.
([8])  كتاب في أصول اللغة 1/ 44.
[9] جامع الدروس العربية 223.
[10] الخصائص 1/ 228.
[11] شرح المفصل 9/ 152.
[12] الكتاب 4/ 286.
[13] المنصف1/151، والجمهرة 3/ 1296، والتهذيب (رحب) 5/ 26، وسر الصناعة1/428.
[14] المحيط 6/ 104، وأضفتها لاحقا من مداخلة الدكتور محمد راجي الصاعدي.
[15] الخصائص 1/ 228، وسر صناعة الإعراب، وذكر فيه أن ابن كيسان ضعّفها.
[16] ذيل الفصيح البغدادي ٦٢٩
[17] تصحيح التصحيف 481 .
[18] المحكم (رهم) 4/ 226.
[19] العين (مكن) 5/ 387.
[20] الإبانة 1/ 300.
[21] الإبانة 1/ 299.
[22] المجموع المغيث 2/ 440.
[23] المطلع على ألفاظ المقنع 500.
[24] المجمل (هجر) 2/ 899.
[25] اللآلي (سمط اللآلي) 1/ 523.
[26] 71.
[27] اللآلي (سمط اللآلي) 3/ 83.


الورقة الثانية
لا يصح اشتقاق الفعل مَعجم من المعجم
الدكتور أحمد البحبح

      ورقة مقدَّمة إلى مجمع اللغة الافتراضي بشأن توليد الفعل (مَعْجَمَ يُمَعْجِمُ) من لفظة (المُعْجَم): الأصل في التوليد أن يكون مبنيًّا على القياس مراعاةً لمتابعة العرب في أصول كلامهم ، وما ورد من كلام العرب من توليداتٍ مخالفةٍ القياسَ على نحو : تَمسكَنَ وتَمندَلَ وتَمدرَعَ وتَمنطَقَ ؛ حُمِلَ على توهُّمِ أصليةِ الميم الزائدة ، وقد وردت مثل هذه الأفعال في استعمالاتهم قبل تقنين اللغة وتقعيدها ، وهي محفوظةٌ لا يقاس عليها ؛ لأنها من الشاذ في القياس على وفق ما نصَّ عليه بعض علماء اللغة . وعليه يظهر لي عدم صلاحية توليد الفعل (مَعْجَمَ يُمَعْجِمُ) من لفظة (المُعْجَم ) للأسباب الآتية :

 1- أنَّ ثَمَّةَ فعلاً مستعملاً يُغني عن الفعل المقترحِ توليدُه ؛ وهذا الفعل المستعمل هو (أَعْجَمَ) بزيادة الهمزة الدالة في سياق المعجم على الإزالة ، والمعنى في نحو : أَعجمتُ الكلمةَ ، أزلتُ عجمتها ؛ أي أزلتُ إبهامها ، مع احتمال الفعل أعجمَ دلالاتٍ أخرى منها دلالة الإنقاط ، غير أن معنى الإنقاط ليس مقصودًا من دلالة هذا الفعل المشتق منه (المعجم) المخزون فيه ألفاظُ اللغةِ ، وهذا حال المعجميِّين الذين أعجموا الكلمات بإزالة إبهامها في وضعها في معجم يبرز معناها ، ولم يقصد المعجميون في معنى: أعجمَ الكلمةَ؛ أَنقطَها، وإن كان معنى الإنقاط أو غيره واردًا في دلالة الكلمة؛ إنما أرادوا إزالة إبهامها.
 2- أن حجةَ توليدِ الفعل (مَعجمَ يُمعجِمُ) حملاً على التوهم متابعةً لأسلافنا العرب في توهمهم توليد نحو (تمسكنَ وتمندلَ) بجعل الميم في مقام الأصلية مع اتفاقهم على زيادتها في مثل هذا الموضع ، لا تستقيم - في نظري - ؛ لأن التوهم في استعمال اللغة جاء قبل تقنين اللغة وتقعيدها مع مخالفته أصولَ الكلامِ، ولا يحقُّ لنا أن نستحدث ما خالف الأصل مع علمنا بالمخالفة ثم نزعم أننا متوهمون. فالتوهمُ فيما يبدو لي قبل التقعيد جزءٌ من استعمال اللغة، وبعد التقعيد مع علم التوهم، انحرافٌ عن جادة القياس وعن أصل الاستعمال ، فما وردَ في استعمال اللغةِ ، المحكومُ عليه بالتوهم ، مخالفٌ الأصولَ؛ ومع ذلك حُفِظَ لوروده في كلامهم، أما المحدثون فالأولى اتِّباع الأصول والبعد عن التوهم ؛ لأنَّ ما بُنِي على التوهم تَمَّ قبل التقعيد، فإذا استحدثنا بُنًى حملًا على التوهم سيَفتح مجالاً عبثيًّا لتوليد صيغٍ مخالفةٍ أُصولَ كلامِ العربِ ، فلو افترضنا تجويز (مَعجمَ يُمعجِمُ) قد يُجوِّز مُجوِّزٌ : مَدْرَسَ الأبُ ابنَه يُمدرِسُه، ويجوّز آخَرُ : مَطْعَمَ الرجلُ صاحبَه يُمطعِمُه ، ويجيز غيرُهما : مَسْجَدَ الإمامُ أخاه يُمسجِدُه . فهل هذا من باب إثراء اللغة بتوليداتٍ جديدةٍ أم هو فتْحُ بابٍ للعبث باللغة وإرباكِ أصول كلامها .

 3- أنَّ علماء اللغة قد نصُّوا على شذوذِ توهُّمِ الميمِ الزائدةِ أصليةً . قال ابن السراج: «تمفعل وقد جاء حرفان شاذان لا يقاس عليهما. قالوا: تمدرع من المدرعة يتمدرع تمدرعًا،وأكثرهم تدرَّع يتدرَّع تدرُّعًا ،وهو القياس، وهو أكثرهما وأجودهما. وقالوا: تمسكن يتمسكن تمسكنًا للمسكين، وأكثرهم يقول: تسكَّن يتسكَّن تسكُّنًا ؛وهو أجودهما وهو القياس.وقال:تمندل بالمنديل يتمندل تمندلًا؛ إذا مسح يده بالمنديل ، وأكثرهم يقول: تندَّل يتندَّل تندُّلًا، وهو أجودهما» [الأصول في النحو:3/ 230]،وقال في موضع آخر : «تَمسكنَ مثل تَمدرعَ في المدرعة، وتمفعل شاذٌّ » [الأصول في النحو:3/ 237]. وقال الزمخشري : «تَمسكنَ من المسكين، وهو مفعيل من السكون؛ لأنه يسكن إلى الناس كثيرًا ، وزيادة الميم في الفعل شاذة لم يروها سيبويه إلا في هذا وفي تَمدرع وتَمندل، وكان القياسُ تَسَكَّنَ » [الفائق في غريب الحديث:1/ 70]. وجاء في اللباب : «فإن قلت: قد جاء تمفعل نحو تمدرع وتمندل وتمسكن، قيل: هذا شاذٌّ لا يقاس عليه، على أن الجيد فيه تَندَّل وتدرَّع وتسكَّن »[اللباب في علل البناء والإعراب:2/ 257]. ونبَّه ابن الحاجب[الشافية:71] على أنَّ تمسكنَ وتمدرعَ وتمندلَ وما جاء على شاكلتها من بناء تمفعل، لا يعتدُّ بها قياسًا ؛ لوضوح شذوذها، وقال الزبيدي في معجمه تاج العروس : « (سَكَنَ) الرَّجُلُ (وتَسَكَّنَ) عن اللَّحْيانيِّ على القِياسِ وهو الأَكْثَر الأَفْصَح كما قالَهُ ابنُ قتيبَةَ (وتَمَسْكَنَ) كما قالوا تَمَدْرَعَ مِن المِدْرعَةِ وهو شاذٌّ مخالِفٌ للقِياسِ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ »[تاج العروس: 35/ 201-202] . فإذا حُمِلَتْ صيغةُ ( تَمَفْعَلَ ) على الشذوذ في القياس ، فأَنَّى لنا أن نقيس على الشاذ المحفوظ سماعًا ؟، يُزاد على ذلك وهو مهمٌّ في نظري في هذه المسألة أنَّ توهُّمَ عدِّ الميمِ الزائدةِ أصليةً وردَ في صيغة (تَمَفْعَلَ) المزيدِ فيها مع الميمِ التاءُ ، ولم يُسمَع بحسب ما ظهر لي مجيءُ الفعلِ على صيغة ( مَفْعَل ) التي اقترح المجمعُ جعْلَها للفعل ( مَعْجَمَ ) ، بمعنى أن قولنا : مَعْجَمَ يُمَعْجِمُ ، ليس فيه متابعةٌ لكلام العرب ؛ بل هو استحداثٌ لصيغةٍ غير مسموعةٍ عن العرب ؛ وهذا فيه مخالفةٌ لسنن العرب في كلامهم ، فلم يُروَى عن العرب : مَسْكنَ يُمسكِنُ ، ولا مَندلَ يُمندِلُ ، ولا نحو ذلك ،وقد نصَّ الخليل على ذلك فقال: «والمسكنة مصدر فِعْل المسكين، والمسكين مِفعيل بمنزلة المِنطيق وأشباهه؛ إلا أنهم اشتقوا منه فعلًا فقالوا: تَمسكنَ ، ولا يقولون مَسْكَنَ »[العين: 5/ 313]. فالوارد في كلام العرب أن زيادة الميم على سبيل توهُّمها أصليةً جاء مقرونًا بزيادة التاء قبلها على صيغة (تمفعل) ، وهو محمولٌ على الشاذ غير المنقاس عليه ، ولم يرد على صيغة ( مَفْعَلَ )؛ وعلى وفق ذلك يبدو لي عدم صلاحية توليد الفعل ( مَعْجَمَ يُمَعْجِمُ ) من لفظة (المُعْجَم )، ولو أردنا المتابعة في التوليد على سبيل التوهم مع عدم ترجيحه لقلنا : تَمَعْجَمَ يَتَمَعْجَمُ . هذا ما ظهر لي في هذه المسألة بحسب قصر نظري ، وما بَثثْتُه من تنبيهات في هذه المسألة إنما قصدتُ منه مراعاة الدقة في أجلى صورها والبعد عمّا يُشيب قرارات المجمع من إشكالات، متمنيًا لكم التوفيقَ في خدمة اللسان العربي المبين، والله الموفق للصواب. 

أخوكم د.أحمد عبد اللاه عوض البحبح أستاذ اللغويات المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب-جامعة عدن 20/ ذو الحجة/1436ه الموافق 4/أكتوبر/2015م

المداخلات:

مداخلة الدكتور محمد بن راجي الصاعدي: الجامعة الإسلامية:
قرأت الورقتين، وأرى وجاهة القرار؛ فالتوهم شاذ ولكنه شذوذ لجأ إليه العرب غالبا فرارا من اللبس وخدمة للمعنى، فيجوز لنا الانتفاع منه ولكن عند الضرورة.
وأرى (مَعْجَمَ) مما يُحتاج إليه، فالقياس على التوهم كما في الورقة الأولى مربوط بالحاجة، والمعجمة استعمال اصطلاحي،  وارتكاب ذلك في المعاني الاصطلاحية التي تسد حاجة الباحثين أدعى للقبول
وأمّا الأسباب المانعةالتي أوردها د.أحمد فالجواب عنها:
السبب الأولّ:  يرى أنّ أعجم فيه معنى الإيضاح وهو كافٍ في الدلالة، والحق أنّ أعجم لم يأتِ بمعنى إيضاح الكلام، وإنَّما بمعنى إبهامه، والذهابِ به إلى العجمة.
وإنّما يأتي بمعنى الإيضاح وإزالة العجمة في الحرف لا في الكلمة، فهو خاصّ فيه بالنقط لا يتجاوزه للشرح والبيان، وفي قول د.أحمد لَبْس؛ فهو اقترح معنى إيضاح المراد في المعجم، ولكنه صاغه بأسلوب يشعر بأنّ ذلك مراد المتقدمين فأرجو مراجعة الصياغة .
 وأمّا السبب الثاني: أن التوهم قبل التقعيد؛ فهو ناتج من مصطلح التوهم؛ فالظاهر أن العرب بسليقتهم الأقوى من التقعيد عرفوا الأصل وعدلوا عنه مراعاة للمعنى وليس لأنّهم جهلوا طريقة الاشتقاق ووهموا فيه؛ فالحقيقة أنه لا توهّم في هذا ، وإنّما عدول .
 والسبب الثالث قسمان: الأول أن العلماء أجمعوا على شذوذ التوهم، والثاني: أن مَفْعَلَ غير مسموع، وشواهده مختلف فيها، وفيهما نظر .
أ- (مَفْعَل) ليس مهملا، وأقوال الصرفيين لا تُقدَّم على رواية الثقات، بل يجب استدراكه في أوزان الإلحاق الشاذة ، وأضيف إلى الأمثلة التي في الورقة الأولى:
1- قالوا مَخْرَقَ وهو ممخرق أي مموِّه، وهذه ورد طرف منها في الورقة، وقد أنكرها بعض البصريين، وجعلوها عراقية مولدة، وهي عربية فصيحة؛  فقد مَعجَمَ الأزهريُّ في التهذيب 7/634 الممخرق في الرباعي، وهو صاحب أصح معجم في العربية، ولنا روايته لا جعله لها رباعية، كما وردت على لسان أبي عمرو الشيباني في التهذيب 5/126،  وقد تصحّفت في هذا الموضع إلى (ممحزقة) ويجب تصويبها .
 2- ذَرَق الطائر ومَذْرَقَ مسموعان معا فلا وجه لأصالة الميم في (مَذْرَقَ) وهي في المحيط وتكملة الصغاني والقاموس والتاج .
3- قالوا مَرْطَلَ الثريد إذا أكثر الدسم فيه، ومرطل ثوبه إذا لطّخه بالطين، وهذا ظاهر الصلة بالترطيل، والمرطل، وهذه في جلّ المعاجم،  ولكنهم وضعوا (مَرْطَلَ) في الرباعي، والصحيح أنه ثلاثي؛ فدليل الاشتقاق لا يرده اجتهاد عالم، وإن اتفقوا على خلافه .
 ب- وأما القول إن العلماء أجمعوا على عدم القياس عليه فليس بصحيح فأبو العلاء المعري يرى القياس على التوهّم ولم يفرِّق بين (مَفْعَلَ) و(تَمَفْعَلَ)  لأنَّ الداعي فيهما واحد، وكلاهما مسموع، وجَعَلَ الأقيس في اشتقاق فِعْلٍ من الميلاد نحو عيَّدَ من العِيد أن يقال : (مَوْلَدَ) حتى لا يلتبس بتوليد الحيوان وأجاز على ضعف أن يقال (مَيْلدَ) لأن شذوذ الإعلال فيه لا ثمرة له بخلاف عيّدَ فإن عوّدَ يؤدي إلى لَبْس؛ فدفْعُ اللبس عنده سوَّغ القياس على الشاذ.
 وذلك في شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 221-222 .

مداخلة د. سالم الخماش: جامعة الملك عبدالعزيز:
هناك أمور يجب أخذها في الاعتبارعند أخذ القرار. أولا اللغة لاتلجأ إلى اعتماد طرق غير قياسية إلا إذا كان هناك ضرورة ملحة كتمييز دلالة معينة مثلا. وقد وقع في كلام العرب عدد من الأفعال المشتقة من أسماء لضرورات دلالية تخالف دلالة الصيغ القياسية؛ من ذلك تمسكن وتمدرع وغيرهما التي صيغت على هذا النحو كما ذكروا خشية عدم وضوح غرضهم، ولئلا تلتبس بتسكّن وتدرّع التي تختلف في دلالتهما الدقيقة عنها. واللغة مرنة في حالات الضرورة ولايمكن أن تبقى جامدة لاتقدم حلولا لإشكالات التواصل. ولدينا هنا مشكلة إيجاد اصطلاح يقوم مقام الإنجليزي lexicalize التي تعني "ضم كلمةإلى المجم ومعالجة ذلك". هل نستعمل جملة طويلة أم كلمة قصيرة. المنطق اللغوي والتواصلي يميل إلى استبدال الجمل بالاصطلاحات لغرض الإيجاز والاقتصاد ومناسبة ذلك للمصطلح المراد تعريبه. وهنا لايمكن تعريب lexicalize بصيغة عجّم أو أعجم لأن هاتين الصيغتين مرتبطتان بدلالات أخرى ولا تعبرعن معنى إدخال كلمة ما في المعجم. في ضوء هذا أرى أن مَعجم مناسبة جدا لتعريب lexicalize "أدخل كلمة في المعجم"، وقابلة لاشتقاق اسم منها (معجمة) ليقابل lexicalization . فالمسألة هنا ليست بذخا ولا اعتباطا وإنما ضرورة لغوية ملحة فرضها الواقع العلمي والمعرفي.

مداخلة الدكتور سليمان الضحيان: جامعة القصيم:
بسم الله الرحمن الرحيم ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الصاعدي وجيه جدًا، وذلك للأمور التالية: أولا: أورد في مناقشته للمسألة أكثر من عشرين مثالا من فصيح اللغة على توهم أصالة الميم، وهذه الأمثلة دليل على أن العرب اعتادت على تلك الزيادة، وإن لم يصل إلينا منها إلا القليل، وليس في القياس عليها معارضة لما هو أكثر منها، وقصارى القول أن السماع لم يكثر، ويجاب عن هذا أن المعنى لهذه الزيادة تقل الحاجة إليه؛ ولهذا لم يكثر وروده في لغة العرب، مع أن ما لم يُنقل إلينا من لغة العرب أضعاف ما نُقل كما قال أبو عمرو بن العلاء :"ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير"، وأكثر ما سمع جاءت فيه زيادة (التاء والميم) معًا، وهي كلها تدل على توهم أصالة الميم، ولهذا فتعامل الميم معاملة الحرف الأصلي من حيث تصرفات الكلمة ومنها حذف التاء، كما فعلوا بالحرف الأصلي في الرباعي فقالوا (تدخرج - دحرج). ثانيا: أن اللغة العربية مبناها في كل أحكامها على (رفع اللبس)، وما الحركات والحروف في الإعراب إلا لرفع اللبس ، ومثله تغير الأوزان في الأبنية، وقد يخالفون القياس لرفع اللبس كما فعلوا في جمع (عِيْد) على (أعْــيَاد)، وفي تصغيره (عُــيَيْد)، ولم يقولوا: (أعْوَاد) و(عُوَيد) مع زوال علة القلب، والجمع والتصغير يردان الأسماء إلى أصولها ، وإنما فعلوا ذلك خوف الالتباس بجمع وتصغير ( عُوْد)، ومثله مسألتنا فاستعمال (مّعْجّمّ) يرفع اللبس عن المراد.. ثالثا: مما يرفد أن هذ الاستعمال كان متعارفا عليه في العربية أننا نجده حتى الان مستعملا في وسط الجزيرة العربية، ومازالت غالب الأبنية الصرفية - ومنها أبنية الأفعال والزيادة فيها - محافظا عليها في لهجات الجزيرة العربية، ومنه هذا الاستعمال، فمازالت العامة تستعمله - على قلة - كما في قولهم (تَمَرْجَل) من الرجولة، و ( تمقرص) من الحركة بما يشبه الرقص، يقولون: ( فلان يتحقرص ويتمقرص)، و(تمخنث) أي تشبه بالنساء، و( تمعقط) أي مسك الشيء مسكا قويًّا، ويبدو أن الأصل فيه (عَقَدَ) فكأن من تمسك بشيء عقد يده فيه، أبدلوا الدال طاء، وإبدال الدال طاءً منتشر في لهجة القصيم كما فعلوا في كلمة (نَدَل)، وهي بمعنى: (اختلس) في اللغة العربية يبدل أهل القصيم الدال فيها طاء فيقولون: (نطل) أي: اختلس، ومثله (الدعص) وهو الكثيب من الرمل في العربية، تقول العامة : (طعس)، فيبدلون الدال والصاد . وقد سبق لي أن استعملت مثل هذا في عنوان دراسة لي نشرت في مجلة محكمة، وهي ( تمذهب ابن جني بالاعتزال وأثره في إعرابه لللقرآن)، وإنما استعملت (تمذهب)؛ لأني لم أجد لفظة واحدة تغني عنها، ولم أعبر بكلمة ( اعتزالية ابن جني)؛ لأن المقصود من الورقة إثبات انتساب ابن جني لمذهب المعتزلة أولا ثم البحث عن أثر هذا في إعرابه للقرآن. د سليمان الضحيان الأستاذ المشارك في قسم اللغة العربية في جامعة القصيم.

مداخلة د. عبدالعزيز العمري: جامعة الإمام محمد بن سعود:
في مسألة (مَعْجَمَ) عندي هذه الوقفات: أشكر الأخوين على الطرح العلمي الرصين النافع ، ولا أستطيع أن أزيد على ما قررناه من نقول وحجج في هذه المسألة. الحجة القديمة والدليل اللغوي يسند ما ذكره د . أحمد البحبح، وقد أجاد في عرض آراء القدماء بشمول ودقة ، فأثبت ورود بعض الأمثلة ونقل شذوذها. يعجبني طرح د عبد الرزاق، وحشد الأدلة المؤيدة له ، ومحاولته لتجاوز عقبة القلة والاكتفاء بالقليل الوارد بحجة الحاجة الماسة لذلك. أتعاطف (أدائيًا ) مع طرح د. عبد الرزاق ؛ وهل أحدٌ يكره الاختصار والدلالة المباشرة على المعنى المراد في ذهن المتكلم؟ لا أستطيع أن أطمئنَّ إلى إجازة (مَعْجَمَ) بمعزل عن سياقها وعن أخواتها مما يحمل سماتها نفسها ؛ إذ الحكم واحد فيها لا بد من الإجابة عن إمكان القياس على اشتقاق الفعل من (مفعل) برمتها ؛ مثال: لو أدخلت أكلة شعبية (المشغوثة) مثلاً إلى المطاعم العالمية واشتهرت ، فهل يصح أن أقول : مَطْعَمْتُ المشغوثة ؛ بمعنى : أدخلتها في المطاعم وصارت تباع فيها. مثال آخر: لو أدخلت (السلامة) في مدارسنا وصارت مادة لازمة في كل مراحلها فهل يجوز أن نقول: تمدرست السلامة؟ الذي أريد أن أصل إليه : التوقف عن إجازة هذه الكلمة وإن وافقت هواي وطربت لها ؛ لأن الرغبة في الاختصار والدقة مطلب نسبي؛ ولا يمكن أن نجعله هو الفيصل في الترجيح؛ لأنه معيار مطاط يجلب الكثير من الاجتهادات التي لا يلجمها ضابط. علينا أن نحكم على الصيغة كاملة أولاً ، ثم نبين ضابط الحاجة المجيز لنا القياس عليها، ثم نستحضر مقدار الكلمات التي سنتوسع فيها ولا نستطيع ردها قبل إقرار الإجازة. والله أعلم. عبد العزيز العمري.

مداخلة الدكتور حسن العمري: جامعة أم القرى:
بعد أن قرأت الورقتين ملت لتأييد القرار، وراجعت عددا من نصوص المتقدمين فلم أزل ميّالا للتأييد مع علمي باحتياج المسألة لمزيد بحث، ثم وقفت على هذا النص للسيرافي: "وقد أُلحق أيضا ب(تدحرج) (تمفعل)، بزيادة الميم، فقالوا: (تمسكن وتمدرع)، ولم ترد هذه الميم للإلحاق إلا مع التاء؛ لأنه لم يسمع (مسكن) ولا (مدرع)"، ولأن الصرف محتاج إلى الضبط في إصدار الأحكام أكثر من حاجة متن اللغة ومعجمها -مع أهمية ذلك أيضا- فإنني أجدني أتوقف إلى أن تتضح الصورة عندي أكثر.. وإن ظهر للمجمع أن إقرار ذلك هو الأصوب فأرجو أن ينبه في القرار على مسألة، وهي: أن المجمع إنما سوّغ ذلك بعد أن رأى في نصوص المتقدمين التأصيلية ما يمكن تخريج هذا القرار عليه، بعد داعية الحاجة العلمية إليه، وليست الحاجة وحدها هي المسوّغ لذلك، ولا كون المعنى أيضا -وحده- قابلا لذلك، وإنما سوّغه مع قبول المعنى له أصول في العربية تكلم عليها العلماء. لأنني رأيت بعض التعليقات تعتمد على مجرد حاجة المعنى إليه، أو تحقق رفع اللبس به، مع أن أحكام العربية لا بد لها من قبول قواعد الصنعة مع المعنى.

مداخلة د. سامي الفقيه الزهراني: جامعة الباحة:
أتفق مع الدكتور أحمد البحبح في كل ما ذكره . وأقول : إنّ إضافة معنى محدث على لفظ قياسيٍّ مستعمل دون تغييره أولى بل وأصوب من تغيير ذات اللفظ مراعاةً ؛ لذلك المعنى المستحدث . وعليه ؛ فلا أرى عدولاً البتّةَ عن (أعجم) إلى (معجم) ؛ للأسباب المذكورة آنفًا ، ولأنّ دلالة (أعجم) تحمل في طياتها دلالة الإدخال في المعجم ، فهي على صيغة (أفعل) ، وصيغة (أفعل) من معانيها : الدخول في الشيء .. كما قال تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيًّا وحين تظهرون) ، فأصبح وأمسى وأظهر كلها تدل على معنى الدخول في تلك الأوقات .. وعليه فيمكن أن يضاف إلى معنى (أعجم الكلمة) : معنى إدخالها في المعجم ، بالنظر إلى المعنى الجديد للمصطلح المذكور.. دون اللجوء إلى مخالفة الأقيسة الصرفية القائمة على الشائع والمطرد من كلام العرب . والله أعلم وأجل . كتبه د/ سامي بن محمد الفقيه الزهراني .

مداخلة أ. عبدالرؤوف الخوفي: الأحساء:
سبقت الإشارة في تغريدات حول مناقشة القرار إلى أن الحاجة التي يتحقق من خلالها اختزال المعاني المتعددة في لفظ واحد هي ما دعت إلى الفعل "مٓعْجٓم" والحاجة أمُّ الاختراع .. ولو دعت الحاجة قطاعا غير لغوي إلى لفظة ما على وزنها فما الضير في ذلك؟! وإذا ما كان الوزن شاذا وفق المنهجية المعيارية لعدم اطراده وكثرته فإن ما تقرره المنهجية الوصفية أنه وزن مسموع سواء قل أم كثر، وسواء أكان التوهم بأصلية الميم أم بزيادتها .. وإن كنت أميل إلى أصليتها على الوزن "فعلل" وليس "مفعل" لسببين: ١- أنه يستحيل عقلا ووظيفة أن تنقلها إلى معنى الفعلية ثم تجعل الميم زائدة؛ لأن المعنى يجبرك على هذا الوزن. ولعل هذا ما جعل بعض المتقدمين ينظر إلى أصليتها في "مٓرْهٓم". ٢- أنه ينطبق عليها ما ينطبق على الأفعال المتصرفة عن النحت مثل: "حوقل" قديما و"جوقل" حديثا.. كيف وحال هذه المنحوتات أشد تعقيدا من مجرد الاشتقاق من الاسم. وهل وصلت العربية إلى هذه الدرجة من الجمود حينما يقال: "ولدوا المعاني دون المباني" كيف نقتصر على توليد المعاني دون المباني والعربية مصنفة من اللغات التحليلية (أعلى درجات اللغات رقيا ومرونة) وما أعتقده أخيرا أن هذا القرار يضيف تمايزا دلاليا تكوينيا للمعنى بين "أعجم" و"مَعْجَمَ"، كما أنه يمثل صورة من الإبداع اللغوي .. وأن رفضه يعد ضربا من التعنت الذي لا يخدم تطور العربية بقدر اهتمامه بتتبع أقوال الأولين، ولا ينظر إلى اللغة في ذاتها بقدر اهتمامه بعدم الخروج على القاعدة .. مع إدراكي لأصولية القياس على أن هكذا صيغا مادامت مسموعة وإن كانت شاذة ثم دعت الحاجة إليها فإنها على الأقل تظل مسموعة والقياس عليها يخدم اللغة أكثر من الاحتراز منها .. أضف إلى ذلك أن هذا الفعل "مَعْجَمَ" سيظل لغويا من الألفاظ المحدثة .. فعلامٓ الخوف؟!

اعتمد القرار في مجمع اللغة الافتراضي (ومقره المدينة المنورة) في يوم السبت الموافق: 4 محرم 1437هـ الموافق 17 أكتوبر 2015م.